إعداد :احمد حسام
لماذا ظهرت الحضارة المصرية في وادي النيل؟ ولماذا استمرت وقتاً طويلاً مقارنة بالحضارات التي تبعتها؟ لماذا قام المصريون القدامى بتحنيط الموتى؟ لماذا بنى الفراعنة الأهرامات؟
مازالت الحضارة المصرية القديمة تشكل بهاءً وبريقاً ومصدر إلهام وإعجاب على مر السنين وتعاقب الأجيال والقرون لكثير من علماء الآثار، منذ أن عرف المؤرخ اليوناني هيرودوت ودون ما شاهده في رحلته إلى هذا البلد في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث أبدى دهشته من الطريقة التي بنى فيها المصريون صروحهم من الأحجار الكبيرة، والقسوة والقوة التي كان يتمتع بها سكان هذا البلد، وانبهر بجمال وفن العمارة والهندسة التي بنيت بها هذه الصروح العملاقة.
ظهرت عند المصريين القدامى محاولات عديدة ومساع باتجاه البقاء، وقد برزت هذه النزعة من خلال فن العمارة والزخرفة والنقوش وكذلك في الكتابات، وتجلى ذلك بشكل واضح في رحلة الفرعون نحو تخليد تاريخهم.
ولادة أولى الممالك
فكانت ولادة الحضارة المصرية القديمة منذ ما يقارب 5000 سنة، لتصبح اليوم ميداناً يستقطب السواح من مختلف أصقاع الأرض، وتعتبر آثار الحضارة المصرية من أهم الأماكن السياحية في العالم، وقد كان مهد الحضارة المصرية في وادي النيل، التي تحاط بصحراء كبيرة على مد النظر على طرفي الوادي من الشرق والغرب حيث كانت هنا الولادة الأولى للممالك القديمة، وظهرت الكتابة الهيروغلوفية، إضافة إلى مفاهيم السلطة والتحكم.
ولا يجب أن نفاجأ بأن المصريين قد أدهشوا العالم حتى الباحثين في علم الآثار والتاريخ البشري بحضارتهم وتاريخهم في مجال هندسة العمارة وعلوم الأجنة.
والآن وبعد مرور آلاف السنين على هذه الحضارة، لابد لنا أن نلقي نظرة على الماضي لنكتشف الثقافة الإنسانية والأسطورة المصرية التي تجعلنا نبحر في قرون عديدة ولتقدم لنا رؤية فيها الكثير من الإعجاب بمصر القديمة.
فلأول مرة ظهرت الصروح المصرية على شكل جبهة عريضة عملاقة، حيث تصادف ما يخرج عن الطبيعة المألوفة، فهناك أهرامات الجيزة وروعة القصور والمعابد وقبور الفراعنة..
مصر القديمة أرض المعجزات والأساطير، لم يبهر ولم يشغل خيال المختصين وعلماء الآثار مثلما فعلته آثار مصر فأصبحوا أسرى أمام أصولها ومعابدها وهندسة صروحها هذه المعابد الأهرامات التي تعتبر أشهر الصروح الأثرية القديمة في العالم وتعد واحدة من عجائب الدنيا السبع، وتمثال أبي الهول شاهد على عظمة الإنسان المصري في ذلك الزمان، وقوة إرادته وخصب خياله.
ضخت مياه نهر النيل في حياة المصريين فسقت الحضارة في هذا المكان، هذا النهر الذي ينبع من قلب إفريقيا ليتجه إلى الشمال نحو البحر الأبيض المتوسط لينهض بالحضارة الفرعونية وليبعث في الأرض التي مرت منها الحياة والازدهار والتنمية، فيجذب إليها السكان وتنتعش الصحراء القاحلة لتتحول إلى أراض خصبة أصبحت مصدراً للعيش ومهدت لحركة ونشاط بشري كبير فحولت نمط الحياة ومهدت للزراعة التي أصبحت فيما بعد المصدر الوحيد للعيش.
مقبرة توت عنخ آمون
كما أن للشمس رموزاً مهمة تجسد الولادة والموت. فالفراعنة يسعون من خلال بنائهم لهذه الصروح العملاقة من أهرامات وتماثيل إلى البقاء. وكان المصريون القدامى يعتقدون خطأ أن الروح والجسد شيئان متلازمان للوجود الإنساني سواء في الحياة أو الموت، لذا لجأوا إلى عملية التحنيط للجسد في القبور وكانت قبورهم تعج بالمجوهرات والكتابات وممتلكات خاصة بالملك المتوفى مثلما أكتشف في مقبرة الملك الفرعوني توت عنخ آمون في عام 1922م من قبل عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر، حيث كان يدفن مع الملك كل ما كان يستعمله في حياته اليومية من لعب أطفال وأدوات الكتابة وعصا الصيد وأقلام وألوان وملابس. والحلي يبلغ عدد قطعها 143 قطعة بأشكال مختلفة تجسد الشمس والقمر وأواني وأحجار....
كما وجد في قبره كرسي العرش وصولجانات وأقواس وسيوف وخناجر، وعثر فيه على التابوت الذهبي الذي يزن أكثر من 110 كيلو جرامات، وكذلك القناع الذهبي المغطى بالحجارة الكريمة إذ يبلغ وزنه 11 كيلو جراماً، وكان يغطي وجه المومياء.
واعتبر اكتشافها حدثا عظيماً في تاريخ الآثار المصرية وتاريخ العالم. هذه المقبرة التي بقي بابها مغلقا لمدة 3000 سنة، وتعرضت لمحاولتي سرقة من قبل مهربي الآثار.
القبور الأكثر أهمية هي الأهرامات، الأكثر شهرةً وأهميةً ومكانةً التي بناها مهندسون مهرة وعمال امتلكوا الكثير من القوة العضلية ومن الصبر، فحملوا الحجارة الكبيرة على ظهورهم ليبنوا بها أهرامات لأسيادهم.
واليوم علماء الآثار في مصر مستمرون في التنقيب عن الآثار في سعيٍ منهم إلى الفوز بالمزيد من الاكتشافات المهمة ومستمرون في دراساتهم العلمية على مومياء الملوك الفراعنة وعلم الأجنة وتحديد الأنساب، وفك شفرة الأرقام والكتابات الهيروغليفية، ودراسة حياة الناس في ذلك الزمان، ليردوا على الكثير من الأسئلة التي مازالت غامضة، إغناءً للثقافة المصرية، هذه الحضارة التي دار حولها وحول أسرارها جدال كثير وأفرزت انطباعات وأفكار يؤكد البعض منها على اهتمام المصريين القدماء بالموت، في حين تذهب الأخرى إلى أبعد من ذلك فتركز على السعادة التي كان يتمتع بها هذا الشعب في الحياة فعرف كيف يجسدها.